سياحة و سفر

صالونات ثقافية ونكهة عصرية..

د. أمل درويش كاتبة ــ مصر

في وقت أصبحت فيه شبكات التواصل الاجتماعي محركاً رئيسياً لأنشطتنا وتفاعلاتنا الحياتية، ووجهتنا الأولى والأخيرة، في كل يوم نفارقها مضطرين لإنهاء مهامنا اليومية ثم العودة إليها وكأنها تجذبنا إليها جذباً بواسطة وثاق المعلومات السحري والوجهات اللانهائية، التي طوقتنا وصارت تربط به كل تفاصيلنا المعيشية.

لا شك أن هذا الفضاء كانت له كثير من المميزات رغم كل المثالب التي حملها بين طيّاته.

 

استفادت شريحة كبيرة من المبدعين المهمشين الذين لا يجيدون التسكع في ردهات الواسطة والتملق لكي يصلوا إلى مبتغاهم وما يستحقونه من إلقاء شعاع بسيط من الضوء على أعمالهم.

وكانت شبكات التواصل هي الوجهة المناسبة التي لا يتدخل فيها وسطاء، يقف المبدع ليلقي بأعماله على مرأى ومسمع الجميع، وكلٌّ يدلو بدلوه في نقد هذا العمل، سواء أكان متخصصاً أو متذوقاً أو حتى ممن يرتادون هذه الصفحات للتسلية وتضييع الوقت.

 

وبالفعل يشعر المبدع ببعض الزهو والنشوة أنه نجح في كسب جمهوراً يلتف حوله ويتابع جديده، كما تبعث في روحه الأمل كلمات الإطراء والإعجاب، رغم المرارة التي لا يمحوها كل ذلك لأنه لم يصل إلى الجماهير المنشودة التي يمكن الوصول إليها بالطرق التقليدية، فما زال هذا العالم افتراضي، وما زالت نجاحاته شبه وهمية!

 

وأما الوجه المظلم لهذه المجموعات فهو ظهور شريحة من أشباه أو مدعي الإبداع، ممن يحاولون نيل أي نصيب من الشهرة والنجاح رغم عدم موهبتهم، وعدم تقديمهم لأي محتوى، وربما كان هذا المحتوى يشوبه الإسفاف والتفاهة، ورغم ذلك يجد الترحيب والدعم من باب المجاملة أحياناً، ومن باب عدم رفض أي محتوى يُقدم تحت بند إتاحة الفرصة للجميع، والقارئ هو من يحدد من يبقى ويستمر ومن ينزوي ويختفي.

 

ولكن قد تأتي الرياح أحياناً بما لا تشتهي السفن، فيلجأ هؤلاء المدّعون إلى أصدقائهم لنيل الدعم، وربما تعاطف معهم كثير ممن يفتقدون القدرة على تمييز الغث من الثمين!

أما أخطر ما في هذه الشبكات فهو دعم السرقات الأدبية، حتى مع حرص بعض المجموعات على رفض ذلك وكشف هذه السرقات، ولكن الكثير قد لا يستطيعون ملاحقة وتتبع جميع الأعمال المقدمة والتحقق من ملكيتها لصاحبها.

وبالفعل استطاع كثيرون نشر أعمال لكتّاب وشعراء قدماء بنسبتها لأنفسهم، فهم من الذكاء لاختيار أعمال لم تلقَ الرواج أو تنل تسليط الضوء عليها من أمهات الكتب، وتمر دون أن يلاحظها أحد لأننا شعوب لا تقرأ، ومن السهل خداعنا.

ورغم كل هذه المساوئ، التي لم تكن جديدة على الأوساط الثقافية؛ فالسرقات الأدبية موجودة منذ القدم، ولا يمكن إيقافها، فهي كالغش لا يمكن التخلص منه نهائياً.. ورغم ذلك فقد قدمت شبكات التواصل فرصة رائعة لنشر الفكر والمحتوى الجيد وعودة الاهتمام بالثقافة، وصارت بديلاً مناسباً – في الوقت الحالي ـ للصالون الثقافي.

ومع الوقت زحفت هذه الشبكات وزادت من بسط نفوذها حتى باتت تهدد وسائل الإعلام التقليدية التي ما زالت متمسكة بجمودها وصلفها كسيدة من العصر الفيكتوري، تلتزم التزمت والتقاليد التي عفا عليها الزمن. وقد نجحت في ذلك ونمت وتمددت هذه المجموعات إلى مواقع تعنى بالأدب والشعر وصحف ومجلات إلكترونية تحقق الإشباع لهؤلاء المبدعين الذين شعروا بالقليل من الإنصاف بعد عقود من التجاهل.

وقد أدركت بعض وسائل الإعلام هذه النقلة النوعية وحاولت مواكبة هذا التطور لتنأى بنفسها عن البقاء في مسيرة الإعلام التقليدي، وهذه خطوة جريئة تدعونا لتقديم التحية لها.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock